مصطفى أمين* البندقية لا تعرف الفراغ وقبضتها لا تعرف التراخي هكذا يسقط البطل حقًا! البطل يلفظ أنفاسه في قُبلة المشهد الأخير تحتفظ الأرض بدمائه شهادةً ويبقى اسمه لهيبًا في الذاكرة. البطل لا يهرب من الموت بل هو السهم الذي يسبق الموت هكذا يموت البطل وتبقى القيمة! البطل لم ينجُ لأنّه ملاك الموت إنّه أسرع من الموت..! على البطل ألا يعود لمكان سقوطه لأنّ الأرض تخون والموت يتكرر كصفعةٍ لا تنتهي في كل عملية قاسية كقهوة مرّة تسقط على لسان مفكر وتترك أثرًا لا يمحوه الزمن. متى يدرك البطل أنّ المعركة ليست دائمًا ميدانه؟ البطولة الحقيقية تكمن في ترك المكان يحترق بوجوهٍ عفنةٍ وأسماءٍ خاوية ثم يغادر، ليكتب التاريخ بدمٍ جديد. بعد أن قنصني العم سام مشيتُ وأنا أضمّ الموت في صدري تعلّمتُ كيف أواجه النهاية واقفًا بين أشجارٍ تمدّ جذورها لتحملني حتى لا أرتطم بالأرض ذليلاً الأشجار لا تموت إلاّ واقفة تزحف لتظل شامخةً حتى النهاية. أضحى جسدي كنعشٍ مبرّد للأغنياء رصاصة العم سام جعلتني أرستقراطيًا رغمًا عنّي تابوتي لم يكن من خشب، بل من ذكرياتٍ وندوب. كنتُ خائفًا... وددتُ لو كنتُ موسى أشق الأسفلت بأقدامي ليعانقني سواده ويبتلع ملامحي حتى أختفي. عدتُ طفلاً في قبضة الموت لا داعي للتمثيل لأنّ الموت يُظهر حقيقتنا كما نحن في النهاية نحنُ عراة والعالم لا يمنحنا سوى وهمِ القوّة. أغمضت عيني المثقلة بالركام وكرهت جسدي لأنّه حيّ وميت في آن تجمّد دمي وددت لو كنت قلبي فقط ذلك العضو الذي ينضح دمًا ودمارًا الموت يجعل الإنسان يتمنى المستحيل لأنه يُدرك حينها عجزه المميت. الموت لا طعم له ولا لون لكنّه يجعل كل شيء فينا ينبض بقوةٍ غريبة كأنّنا نولد من رمادنا! لم أكن أرغب في إنهاء حياتي فهي كانت منتهية منذ أن نطق العم سام أوّل كلماته! يدي خشبٌ جاف أعمل في السمرا العراق أنظر إلى الخراب ولا أفرح. ساقي اليمنى مشلولة ماراثون الموت جعلها كذلك والقتلة دائمًا يبررون جرائمهم فهم من وضعوا المسار. أبكي حجارة وجهي منحوت بندوب الزمن صلبٌ كالجبل وكلّ مسامٌ فيه حكاية. قلبي طبلةٌ فارغة تعزف ألحان الفقد والوداع يتوق إلى الحرية إلى يومٍ يكسر قفصه ويصرخ. عظامي تخونني تطعنني بعبوديةٍ فرضتها الحياة لكنّ القلب... القلب حر بدمه وثوراته وبقدرته على الانتصار رغم السقوط. بعد موتي شعرت بالاشمئزاز ذلك الاشمئزاز الذي يخلق الإيمان ويحوّل الكسور إلى ذهب الإنسانية هي أن تعبر بين الحياة والموت أن تحتضن ضعفك لتصبح أقوى أحلم كل يوم بسقوط العم سام... وأحفر حلمي في قلب التاريخ. *شاعر لبناني شاب مقيم في طرابلس